كشفت دراسة حديثة أعدها ونشرها المعهد الأمريكي للصحة النفسية عن أن رواد الأعمال أكثر عرضة بنسبة تتجاوز الـ 50% للمعاناة من مشكلات نفسية واعتلالات عقلية، وأن العاملين في مجالات إدارة المؤسسات والعمل الحر وريادة الأعمال أكثر احتمالية بـ10 أضعاف من الأشخاص العاديين للإصابة بمتلازمة ثنائي القطب (اعتلال نفسي يسبب تقلبات مزاجية حادة قد تصل حد التفكير في الإنتحار).
ويُرجع الخبراء النفسيون تضاعف هذه الأرقام إلى أن حجم الضغوطات التي يتعرض لها رجال الأعمال وأصحاب المبادرات والمبدعون غالبًا ما تفوق عشرات المرات ما يتعرض له الأشخاص العاديون في أعمالهم اليومية. فعلى عكس الوظائف والأشغال الروتينية والتي تكون فيها مهام العمل وأهداف المشروعات محددة من قبل المدراء والمسؤلين الكبار، ومعايير تقييم النجاح واضحة؛ فإن مهام ومسؤليات رواد الأعمال وكبار المديرين تبدو شديدة التعقيد وبلا خط نهاية واضح أو معيار ثابت لتقييم النجاح أو ثبات الأرباح والمكاسب على مدى زمني طويل. كل ذلك بالإضافة إلى المسؤليات التنظيمية لمهام ومسؤليات الإدارات المختلفة والتي تقع على كاهل رواد الأعمال وأصحاب المشاريع.
لكن السؤال الذى يُطرح الآن كيف يمكن لرواد الأعمال التخفيف من الضغط النفسي للمسؤليات المتعلقة بشركاتهم الناشئة مما يمكنهم من خلق بيئة عمل صحية لهم ولموظفيهم؟
- تقبل الذات
أثبتت دراسات قائمة على تجارب عملية أجريت في جامعة ستانفورد أن المشاعر القاسية أو جَلد الذات المستمر الذي يشعر به الأشخاص الطموحين أو الراغبين في الكمال غالبًا ما يكون ذو تأثير سلبي على حياتنا اليومية وقد يتعدى تأثيرها النفسى إلى العضوى، وذلك بالأساس نتيجة كتمان هذه المشاعر وعدم الإفصاح عنها وعدم إدراك حقيقة قدراتنا وما يمكننا القيام به من عدمه.
حيث قام الباحثون بتجربة على مجموعتين مختلفتين من الأشخاص باستخدام تكتيكات مختلفة لدفعهم لتغيير قناعاتهم سواء عن النجاح أو الرضا بشكل عام عن آدائهم.
وأظهرت التجارب أن الأشخاص الأكثر معرفة بذاتهم وأكثر قناعة بحدود ما يمكنهم القيام به، كانوا أكثر ثقة في قراراتهم وقدرتهم على القيام بالمهام الصعبة اعتماداً على الثقة بالنفس ومعرفة حدود قدراتهم.
وأن الأشخاص الغير متقبلين لحقيقة طبيعتهم أو الأقل ثقة فى قدراتهم كانوا أقل ثقة عند القيام بمهام عملهم رغم أن قدرات بعضهم تفوق المجموعة الأولى (الأكثر ثقة في قراراتهم).
خلاصة التجربة توضح أن الطريقة التى نصارح بها أنفسنا ونرى بها قدراتنا تحدد مدى ثقتنا على القدرة بالقيام بمهام عملنا أي أن تقبل الذات يضاعف مقدار الثقة وبالتالي حدود مايمكننا القيام به حتى أبعد من قدراتنا الحقيقية.
- تنظيم الأدوار
رواد الأعمال هم شركاء مؤسسين في شركات أو مشاريع ناشئة تستهلك الكثير من الوقت والجهد للنهوض أي أنها قد تبتلع الأشهر من الوقت كي تكون مشروعًا جاهزا للانطلاق.
أغلب رواد الأعمال الناجحين هم من استطاعوا تقسيم أوقاتهم بين العمل المكثف ومنح كامل التركيز -فقط خلال وقت العمل- لمشاريعهم وأيضًا تقسيم الوقت لاستعادة النشاط عن طريق المحافظة على العلاقات الإنسانية مع العائلة والأصدقاء حيث يعتبرون معادلة توازن العمل والحياة مقياسًا آخر للنجاح وليس فقط نجاح المشاريع وحسب.
فبحسب باحثين في جامعة متشجن الأمريكية فإن هذا التوازن يعطي للأشخاص نشاطات مختلفة وأوقات ممتعة في الحياة تمثل مجالاً لنسيان لحظات الفشل وعدم التركيز عليها وجعلها نقطة تحول للحالة النفسية في كل لحظة من حياتنا اليومية.
- لماذا تبدأ فى تأسيس شركة؟ حدد قيمة أو هدف لعملك
من المهم دائمًا أن تضع نُصب عينيك قيمة واضحة لما تقوم به وأن تفهم سبب بدء مشروعك في المقام الأول، وأن تضع معايير واضحة للفشل والنجاح والإجادة.
تعد مديرة أمازون الحالية والرئيس التنفيذي السابق لشركة بيبسيكو إندرا نوي مثالاً يوضح أهمية تحديد معايير للتقييم ومكافآت الإجادة للموظفين المتميزين والاعتراف بدورهم حيث ترى نوي أن الاعتراف بدور كل موظف في الشركة هو قيمة ثابتة تُرسخ لمكانة الشركة لدى الموظفين وتخرج أفضل ما فى طاقاتهم وتزيد من إنتاجية الشركة.
ولتعزز هذه القيمة تقوم نوي بانتظام بإرسال ملاحظات مكتوبة بخط اليد إلى الموظفين تُجمل بها مساهماتهم وتوجه لهم الشكر على جهودهم.
وترى نوي أن ذلك يساعد على تهيئة بيئة صحية ومنتجة لإدارة الشركة وللأشخاص الذين يعملون معها.
الشعور بالإرهاق ليس شيئًا نخجل منه، وإدراك الضرر الحقيقي الذي يمكن أن يحدثه ضغط العمل، والاعتراف بمشكلاتنا ومخاوفنا وحدود مايمكننا القيام به، سيمكن عالم ريادة الأعمال من التقدم إلى مستقبل أكثر صحة وسعادة. فلنبدأ بهذه الخطوات الآن.
المصدر: Entrepreneur
0 Comments