في المقال السابق من سلسلة رحلة رائد (كيف نبدأ؟)، تحدثنا عن العوامل السبعة الأهم التي تساهم في زيادة احتمالية إنجاح الأفكار، وأن هذه العوامل لا يشترط توافرها جميعاً في المشروعات الخاصة بنا، لكن توافرها يوفر المزيد من الأمان للمشروعات الناشئة.
في المقال الثاني من الخطوة الأولى لتأسيس شركة، سنناقش 3 نقاط رئيسية:
– من أين تأتي الأفكار الناجحة؟
– كيف يمكن أن نقيم الأفكار؟
– كيف يمكن أن نطورها؟
1- من أين تأتي الأفكار الناجحة
الفكرة الجيدة ببساطة إما أن تحل مشكلة أو تسد فجوة في السوق ولتوضيح ذلك سنأخذ بعض الأمثلة.
تُعرف القاهرة بالازدحام إما لكثرة السيارات أو أعمال الصيانة أو لكثرة الحوادث، لكن ما السبيل لتحافظ على وقتك من هذا الازدحام وكيف تصل إلى وجهتك بأسرع طريقة ممكنة حتى إذا لم تكن من سكان القاهرة.
تعد هذه المشكلة بمثابة فجوة واحتياج للسوق المصري بالإضافة لكون تلبية هذا الاحتياج سيخلق لك شريحة من المستخدمين تقدر بالملايين، لذلك في عام 2010 فكر رائد الأعمال المصري علي رافع ومجموعة أخرى من المؤسسين في إنشاء منصة لأخبار المرور والطرق في القاهرة “Bey2olak” التي بات يستخدمها اليوم أكثر من مليون ونصف المليون مستخدم.
مثال آخر أيضاً من مصر، في غياب الرقابة على السائقين ومشكلة المسافات الكبيرة داخل القاهرة ومع بداية عمل شركتي أوبر وكريم في مصر، فكر محمود نوح وأحمد الصباح وهما رائدي أعمال مصريين في استغلال هذه الفجوة وإنشاء منصة تقدم خدمة طلب ركوب أقرب العربات الميكروباص والأتوبيسات، هنا توفرت الفكرة والاحتياج لكن لم تتوفر البنية الأساسية وهي العربات، لذلك درس نوح والصباح جيداً أوضاع السوق المصرية واستغلوا ضعف حركة السياحة المصرية بعد الثورة وقاموا بعقد اتفاقات مع شركات السياحة وأصحاب المركبات السياحية على نقلها لداخل القاهرة واستغلالها في نقل الركاب داخل المدن المصرية.
ما يمكن استخلاصه من التجربتين هو أن بناء مشروع ناجح يتطلب:
– فكرة تحل مشكلة أو تسد فجوة لمجموعة أشخاص أو شرائح من السوق قادرين على سداد تكلفة الخدمة أو المنتج.
– تواجد السوق الذي يحتاج الفكرة.
– دراسة السوق، ومعرفة من هم العملاء المحتملين؟
– الاتجاهات الاجتماعية والسكانية، مثلاً زيادة أعداد المواليد في السوق العربي، يخلق احتياج لكل ما يتعلق بهم.
– الاتجاهات الاقتصادية ومتوسط الدخول، وهل الخدمة التي تقدمها مناسبة كجودة وسعر للشريحة المتسهدفة أم لا.
2- كيف يمكن أن نقيم الأفكار؟
إجمالاً لما تناولناه في المقال الماضي، يمكن إختصار تقييم الأفكار في 3 نقاط هي الأهم في تحديد مدى فعاليتها:
– حجم السوق
حجم السوق يحدد قاعدة العملاء المستهدفة، ومن المهم تحديد نوع السوق سواء كبير (Mass Market) أو سوق محدود (Niche Market) فكل نوع يختلف فيه حجم الشريحة المستهدفة، ومتطلباتها وخصائصها والطريقة التي يمكن أن تسوق بها منتجك.
السوق الكبير مثلاً يمكن أن تقدم له منتج بجودة متوسطة في مقابل سعر جيد لاستقطاب كافة شرائح السوق، كما أن احتياجاته من الرفاهية ليست كبيرة، وحجم العملاء يزيد من احتمالية نجاح الفكرة، خاصة إذا كانت تحسين من تقديم الخدمات والاحتياجات الأساسية.
السوق المحدود يكون أكثر ولاءًا، أكثر احتياجاً للرفاهية وأكثر قدرة على الدفع، ولنا في لامبورغيني وتويوتا مثالاً على ذلك.
– حواجز الدخول والقدرة على الدفاع عن حصتك في السوق
عند تصميم المنتج أو الخدمة التي تريد تقديمها وتحديد أهم نقاط القوة لديك، من المهم أن تسأل نفسك، هل يمكن لأي منافس الدخول للسوق بخدمة مشابهة وبنفس الإمكانيات؟
تقديم خدمة اعتيادية بدون وجود عوامل نجاح إضافية لديك أو خصائص مميزة للمنتج، قد يعرض الشركة لمخاطر السوق، من دخول منافسين وعدم القدرة على التحكم في سعر المنتج، لكن كيف يمكن أن نحمي السوق؟
- معرفة وخبرة لدى الفريق القائم على الشركة.
- الاهتمام بترويج العلامة التجارية والتسويق الجيد لها.
- تقديم خصائص تقنية أو تكنولوجيا تضيف للخدمة يقوم عليها فريق متميز من المهندسين.
- شبكة بيع وتوزيع نافذة على نطاق واسع.
– القدرة على تطبيق الفكرة
بناءًا على المعرفة والموارد المتوفرة لدى الشركة والفريق القائم عليها يمكن أن تحدد ما يمكنك تطبيقه وما ينقص الفكرة لتتمكن من الدخول إلى السوق.
3- تطوير الأفكار
التطوير ومعرفة نقاط القوة والضعف يأتي بسؤال المستخدمين. والتجربة أثبتت أن الطريقة الأمثل لسؤال المستخدمين، هو اتباع استراتيجية “الشركة الناشئة المرنة” أو “LEAN STARTUP” والتي ناقشها إريك ريس مؤلف كتاب “الشركة الناشئة المرنة” (The Lean startup) الذي صدر في العام 2011.
الـ “MVP” -وهو محور الكتاب- هو اختصار لجملة (Minimum Viable Product) أو ما يعني الحد الأدنى للمنتج وهو النموذج الأوّلي البسيط من أي منتج أو خدمة، والذي يتم تقديمه للجمهور بأبسط شكل؛ مُركّزا على استعراض القيمة الأساسية، ليس لأغراض تشغيلية وإنما لجسّ نبض السوق ومعرفة إن كان هذا المُنتج سيكون له زبائنه أم لا، ومن ثمّ يتم إعادة تطويره وفقا للـ (Feedback) التي تحصل عليها الشركة من الـ MVP.
يخلط الكثيـرون بين مفهومي الـ “MVP” وبين مفهوم آخر هو “النموذج الأوّلي” (Prototype). الأوّل يعني النسخة المكتملة من أساس المشروع التي تحمل قيمته الأساسية، ويتم تأسيسها بأبسط الموارد، بينما الثاني يعني نسخة ابتدائية من المشروع ينقصها الكثير من الخصائص التي سيتم إلحاقها بها لاحقًا. المُستهدف هنا هو الـ “MVP”، أي النسخة النهائية من المشروع التي تضم كافة خصائصه ولكن بأبسط شكل ممكن وبأقل موارد مُستخدمة.
كمثال على ذلك، إذا كنت تجيد فن الطبخ ويثني الناس على طعامك، وأردت أن تحول تلك المهارة إلى مشروع، فربما تريد افتتاح مطعم خاص بك، فتبدأ في تجميع الأموال، ثم تقوم بتأجير أو شراء محل، تعد الوجبات وتسوق لها وتدفع رواتب الطهاة والمساعدين فضلًا عن فواتير الكهرباء والمياه بالإضافة إلى ميزانية التسويق.
وبعد افتتاح المطعم، وبمرور الشهور تجد نفسك في ورطة، لا يوجد زبائن، المطعم يتكبّد خسائر فادحة، الوجبات الرائعة التي تصنعها لا تجد إقبالًا جيدًا من الزبائن.
هذه هي الحالة الكلاسيكية المُعتادة التي تتسبب في إغلاق الكثير من المشروعات والشركات الناشئة. أنت قمت بإهدار وقت طويل وموارد طائلة لبدء الخطوة الأولى في مشروع لم تتأكد بعد أن السوق يحتاج إليه، وإنما قمت بهذه الخطوة بسبب الاندفاع وعدم وجود تخطيط جيد.
النجاح لم يكن افتتاح المطعم بل تعريف الزبائن بالقيمة الأساسية التي تقدّمها وهي ليست المطعم في حد ذاته، بل نوعية الطعام نفسها. ومن ثمّ فأنت لست في حاجة إلى افتتاح “مطعم” كامل بموارد كبيرة، بل يكفي عربة متنقّلة صغيـرة تقوم بتأسيسها بموارد أقل تكلفة، تقدم من خلالها خدماتك في السوق لاختبار مدى تقبل الزبائن للخدمة التي تقدمها. بمرور الوقت تحصل على الـ(Feedback) على الوجبات التي تقدمها.
هنا، ستخرج من هذه الصيغة البسيطة لمشروعك التي تركز على “القيمة” بشكل أساسي بآراء ومردود إيجابي يساعدك على تصوّر نقاط القوة والضعف لديك.
في المقال القادم سنتطرق لكيفية تحويل الفكرة إلى نموذج عمل.
المصدر: إدراك
0 Comments